التحذير من الفراغ في العطلة (إعداد محمد زراك)
الحمد لله الذي أوجب على كل مؤمن المحافظةَ على أوقاته، وحرم عليه تضييع عمُره في غير منفعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في وحدانيته وألوهيته، فتح لعباده كثيرا من أبواب رحَماته وبركاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتِم نبوءاته ورسالاتِه، كانت كل أوقاته في طاعة الله ومرضاته، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى من تبعهم بإحسان مادام في الدنيا من يتقي الله في سِرّه وعلانيته﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ دعونا نبدأ خطبة اليوم بكلام للإمام الشافعي -رحمه الله- يتحدث فيه عن خاصية سيئة من خصائص نفس الإنسان إذ يقول “النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ، شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ”
وكما تعلمون -عباد الله- أن كثيرا من الناس في هذه الأيام في عطلة وفي فراغ، وكلُّ من لم يشغل نفسه بالخير شغلته بالشر، وهذه حقيقة لا شك فيها، فالشيطان يستغل فراغ الإنسان ليملأ قلبه بالوسواس الخناس، وليفسد عليه فكره ودينه، بدءا من السهر بالليل والنوم بالنهار، وما يترتب عليه من تضييع الصلاة وكثير من الواجبات، ثم يجره إلى الانحرافات والمعاصي والمنكرات، ولذلك كان العلماء قديما يُحذرون من أن يترك الإنسان نفسه هملا، دون أن يشغل بشيء من أمور دينه أو دنياه، وفي هذا المعنى يقول أبو العتاهية: إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغ َوَالجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ
لذا تأتي خطبة الجمعة لتصحح أخطاء الناس وعاداتِهم، وتوجهَهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، وذلك بإرشاد الناس إلى اغتنام أوقات الفراغ فيما يلي:
أولا: محاسبة النفس؛ إن الناظر إلى حياة الصالحين من هذه الأمة يرى أن الواحد منهم، يغتنم أوقات فراغه ليجلس مع نفسه بعيدا عن الناس، ويحاسبَها على أعماله، فإن وجد خيرا تقدم وزاد، وإن وجد شرا تاب منه وعاد، يقول أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب وبيني وبينه جدار يعاتب نفسه ويقول«عمر!! لتتقين الله أو ليعذبنك” ..وحَاسب تَوْبَةُ بْنُ الصِّمَّةِ نفسَه فَإِذَا هُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، فَحَسَبَ أَيَّامَهَا، فَإِذَا هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلفَ يَوْمٍ وَخَمْسُ مِائَةِ يَوْمٍ، فَصَرَخَ وَقَالَ: يَا وَيْلَتِي أَلْقَى اللهَ بِأَحَدٍ وَعَشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ، كَيْفَ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَةُ آلَافِ ذَنْبٍ ” ؟الله أكبر! هكذا ينبغي أن يحاسب المؤمن نفسه ويسألَـهَا، كيف حالي مع فرائض الله؟ هل أؤدي صلواتي وفرائضي في أوقاتها؟ فإذا وجد نقصاً تداركه بالإقبال على الطاعات، وكيف حالي مع المحرمات؟ فإذا رأى أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والندم على ما فات، وكيف حالي مع المعاملات؟ هل أنا صادق وأمين ومتواضع وعفيف؟ فإن وجد عيبا أصلحه بمكارم الأخلاق ورد المظالم إلى أهلها.. وبهذه الخطوة تكون أوقات فراغِك؛ محطةً تُصلح فيها عيوبَ وأخطاءَ أوقاتِ شُغلِك، يقول رسول الله ﷺ:« الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ» أي حاسب نفسه وألزمها طاعة الله.
ثانيا: من الأمور التي يجب أن تُملأَ بها الأوقات، القران الكريمُ كلامُ رب العالمين، والروح والنور المبين، لا يٌقرأ في مكان إلا تنزلت عليه البركات في كل حين، قال سبحانه﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ ومن معاني البركة: كثرة الخير وتنوُّعه، وتعدُّد أسبابه وأبوابِه، التي ينالها مَن كان له صلة بالقرآن الكريم.
وما ابتُلي المسلمون اليوم بقسوة القلوب والجفاف والجفاء، وتوالي مختلف المشاكل والأزمات والغلاء، إلا بسبب البعد عن القران، لابد أن نغتنم هذه الأوقاتِ لإصلاح علاقتنا بالقران، ما المانع أن يخصص المؤمن في بيته وقتا يوميا أثناء عطلته، يفتح فيه كتاب ربه، ويحفظ ما تيسر له من آياته.
لابد أن يغتنم الآباء هذه الأوقات لتعليم أطفالهم ما تيسر من كتاب الله، لـِما لذلك من أثر عظيم على تفكيرهم ومستقبلهم، وصلاحهم واستقامتهم.
يقول الإمام جلال الدين السيوطي -رحمه الله- وهو عالم جليل من علماء المسلمين، يقول مبينا هذه الفائدة:”تعليم الصِّبيان القرآن أصلٌ من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكُّن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال” وتأملوا رحمكم الله قول ربنا سبحانه ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ والله الذي لا إله غيره لو تأملنا حقا وصدقا، هذه الآية لكانت وحدها كافية، لنقبل على القران في كل الأوقات، ولنوجه أبنائنا إلى حفظ آياته البينات، فاللهم اجعلنا من أهل القران، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، يارب العالمين نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيا عباد الله؛ كان المقصود من هذه الخطبة التحذيرَ من الفراغ، لـِما له من خطر عظيم على دين الإنسان ودنياه، وكذا التوجيهُ إلى اغتنامه في الخير والصلاح.
ثم اعلموا عباد الله أن اغتنام الفراغ يكون كذلك بتعلّم مهارة من المهارات أو لغة من اللغات، أو حرفة وصنعة من الصنعات، وكذا ممارسةِ مختلِف الرياضات، والسفرِ لزيارة الأرحام أو المدُن أو جهة من الجهات.
فالإسلام لا يحرم الترويح على النفس بالمباحات، لكنه يحرم الترويح عليها بالمحرمات، بالتوجه إلى أماكن الفسق والفجور، والعري والقمار والزنا والخمور، لما في ذلك من تعريض النفس والأهل والأبناء إلى الفتنة، وأدناها مشاركةُ أهل المعاصي في المعصية.
الله الله في أنفسكم وأبنائكم -يا عباد الله- اتقوا الله سبحانه في كل أحوالكم، واجتنبوا ما حرم الله تعالى عليكم أينما توجهتم، وأطيعوا الله ورسوله أن حللتم وارتحلتم، تنجوا بذلك من غضب الله وتفوزوا برضاه عنكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ فاللهم نجنا وذرياتنا وجميع المسلمين من النار يارب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ انصُرْ جلالةَ الملكِ أميرَ المؤمنين محمدا السادس، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بالحقِّ وبِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوفِيقِكَ، وَاحفَظْهُ بِعَينِ رِعَايَتِكَ. اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ…..
اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك حامدين، ولِنِعَمِك شاكرين، وبرحمتك مشمولين، وبجنتك فائزين، واملأ بالسعادة قلوبنا وبيوتنا وبلادنا، وزدنا طمأنينة وهناءً، واستقرارا ورخاءً.اللهم أَصْلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، ، واهدنا سُبُل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجَنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين