شبكة الألوكة
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد إشراف
العفاف واجتناب الحرام[1]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس، لقد خلق الله تعالى الحياة الدنيا، وبث فيها أنواعًا من الكائنات الحية التي تعيش فيها من الإنس والجن والطير والحيوان، وكتب لها الاستمرار على ذلك إلى أمد معلوم، وحينما كانت هذه الحياة قائمة على قانون السببية فإن الله تعالى قد جعل بين ذكور الأحياء وإناثهم ميلاً مشتركًا يكون سبب استمرار بقائهم إلى ذلك الأمد المحدد، ولولا ذلك لانقرضوا وتعطلت الحياة من أهلها.
والإنسان كائن حي خلقه الله تعالى وركَّب فيه الشهوة من أجل التكاثر والتناسل وغيرهما من المصالح. وتلك الشهوة جزء طبيعي من المخلوق الإنساني ومظهر كمال فيه، وعنصر قوة ومدح، وفقده نقص وذم وضعف.
غير أن العالم الإنساني لما كان أرقى عوالم المخلوقات، وهو المكلَّف مع الجن بالتكاليف الشرعية من بين سائر المخلوقات؛ فإن الشرائع السماوية قد ضبطت شهوته، ونظمت قضاءها، وجعلت لها طرقًا سليمة من العواقب الوخيمة في العاجل والآجل، وذلك التنظيم الرباني لتلك الشهوة الإنسانية سمو للإنسان عن عالم الحيوان والبهائم الذي لا ضوابط ولا حدود فيه لقضاء الوطر.
أيها المسلمون، إن حاجة الإنسان البالغ الصحيح إلى قضاء هذه الشهوة كحاجته إلى الطعام والشراب؛ فلذلك شرع الله تعالى له الوسيلة النظيفة الصحيحة لتلبية تلك الرغبة الفطرية بسلوك سبيل الزواج الشرعي، الذي تتحقق به مصالح كثيرة في الدين والدنيا والآخرة.
فالزواج هو الطريق الآمن، والدواء الناجع، والوسيلة السليمة إلى قضاء هذه الشهوة الإنسانية، وهو مصلحة عامة للمجتمع كله؛ فبه تحفظ الأعراض، ويقضى على بعض الأمراض، وتصان الحرمات، وتتكاثر المجتمعات، وتبنى الحياة وتنشط في مجالاتها المختلفة، ويتحصن الرجال والنساء من الحرام الذي إذا ارتكب أفضى إلى كوارث وآفات كثيرة.
فلأجل ذلك ينبغي تيسير طرقه، وإعانة أهله، وتشجيع الأسر والمجتمعات عليه، وعلى الشباب الحرص على طلب الرزق وتوفير مورد مالي يعينهم على الزواج والنفقة بعده، وعلى أولياء الأمور وقريبات المخطوبة من أم أو أخت وغيرهما أن لا يطالبوا برفع سقف المهور، بل عليهم أن يقبلوا الميسور ولا يطلبوا المعسور، ويخففوا من نفقات الحفلات التي لا فائدة كبيرة فيها. ولو نظر الناس نظرة فاحصة عاقلة لرأوا أن تلك الحفلات وما ينفق فيها وما يرافقها من نفقات الزينة الكثيرة قد حرمت بعض الشباب والشابات الزواج فأوقعتهم في قيود الحزن والعنوسة، وألجأت بعضهم إلى الحرام. فليدع المجتمع كثيراً من تلك المظاهر؛ حرصًا على تسهيل طريق العفاف، وحفظًا للمجتمع من آثار الحرمان من الزواج.
عباد الله، أحيانًا قد يبتلى الرجل أو المرأة بتأخر الزواج؛ فالرجل لقلة ماله، والمرأة لعدم مجيء خاطب، فمن كان كذلك فعليه أن لا ييأس ولا يجزع؛ فالحياة مازال فيها بقية. وهذه الحال إذا صبر عليها المبتلى بها، ولزم حصن العفة أجر أجراً عظيمًا. وفي هذا الظرف شرع الإسلام الصيام إطفاء لأوار الشهوة المتقدة، وتخفيفًا لحدتها المستعرة. قال النبي صلى الله عليه و سلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)[2]. وهذا الصيام الذي يحقق هذه النتيجة من قطع الشهوة هو الصيام الذي فيه تخفيف من الأطعمة والأشربة عند الإفطار والسحور ليلاً، والتقليل من النوم نهاراً.
أيها المؤمنون، من أنعم الله عليه من الرجال والنساء بالزواج فليحمد الله على هذه النعمة التي تعفه وتصونه عن الحرام والعناء، وليعرف كل من الزوج والزوجة الحقوق الزوجية حتى تدوم العشرة والوئام بينهما، فيتم العفاف وسائر مصالح الزواج، وليسعَ كل زوج إلى إعطاء الآخر حقوقه، خاصة حق الفراش؛ لئلا تتكدر العلاقات فيسلك أحدهما طريق الحرام، أو يصير إلى دائرة الضيق والأسى.
وعلى الزوجة أن ترضى بما شرع الله للرجل من المباحات؛ فإذا كان الزوج راغبًا في التعدد وعنده القدرة الكاملة لذلك من مال وقدرة وتقوى تمنعه من الظلم بين الزوجات فلا تكن عائقًا له في هذا الطريق المشروع، أما إن كان عاجزاً عن ذلك في ماله أو بدنه أو قلة عدله فليصبر على زوجة واحدة فذلك خير له ولها، ولا يبحث عن مشكلات جديدة لنفسه ولزوجته وأولاده.
أيها المسلمون، إن حفظ الفرج عن الحرام هو من العفاف الذي يعد خلقًا من أنقى الأخلاق، وأدبًا من أرقى الآداب، وسمواً إنسانيًا عاليًا، وعبادة من العبادات التي ترفع منزلة العبد عند ربه، وتنشر له بين الناس سمعة حسنة، وسيرة عطرة. والعفاف وعدم إرخاء الذيل للحرام طهارة ونقاء، وجمال وبهاء، ومظهر برّاق يشير إلى قوة النفس وانتصارها على أهوائها، وتأبِّيها على إغراء شهواتها.
وهو خلق عظيم من أخلاق الإيمان، ودرجة رفيعة من درجات الإحسان، وميزان يُعرف به المؤمن من الفاسق، والصالح من الطالح، والسامي من الداني، والكريم من اللئيم.
وهو حصن الفضائل، وسد منيع أمام الرذائل، وصِمَام أمان للنفس والأسرة والمجتمع والأمة.
أيها الأحبة الفضلاء، إن الحياة ما تزال بخير ما كان العفاف وإحصان الفروج هو السمة البارزة لها، وهذه الحياة الطاهرة هي التي يجب أن تكون بين المسلمين، ولكن ضعف الأخذ بالإسلام، وكثرة عشّاق الحرام، وانتصار قوى الباطل في هذا الزمان أدى ذلك كله إلى خدش جدار العفة القوي، وتلطيخ ثوب الصيانة النقي داخل المجتمعات المسلمة، فظهرت مظاهر غابت فيها العفة، وحضر فيها البعد عن تحصين الفروج.
بل زاد حجم الرزية واتسع خرق البلية حينما جاهر بالفواحش أهلها، وعدوها مفخرة من المفاخر، وسعوا إلى ترويجها بين الناس، والعاصي يهون ذنبه مادام مستوراً، فإذا جاهر وفاخر فقد كشف عن نفسه ثوب المعافاة، وانحدر إلى مهاوٍ سحيقة، وذهب إلى عواقب أليمة.
فمن مظاهر الحرام المتعلقة بالفروج:
الزنا، وهو جريمة كبيرة، وخطيئة بشعة، تواترت الشرائع على تحريمها، والعقول النقية على استبشاعها، قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )[3].
ومن الفواحش: إتيان الذكور، وهو خبيثة من الخبائث، وقذارة من القذارات التي أهلك الله بسببها أمة من الأمم، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82] ﴿ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 83]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط) قالها ثلاثًا[4].
ومن الفواحش: معاشرة المرأة حال الحيض أو النفاس أو في الدبر، والعادة السرية، واكتفاء المرأة بالمرأة، وإتيان البهائم. فما أسوأها من جرائم، وأكبرها من مآثم، وأدنى نفوس مرتكبيها، وأهون حال منتهكيها.
فمن قارف من هذه المآثم مأثمة، واستلبت عقله منها خطيئة فليتب إلى ربه، ولا ييأس من رحمة الله، وليقطع من قلبه أعلاق التعلق بتلك الفاحشة، وليبعد عن نفسه سبل العودة إليها.
أيها المسلمون، إن الوصول إلى تلك الفواحش جاء عبر أسباب أدت إليها، فكانت تلك المعاصي هي نهاية طريق البؤس، وغاية خطوات الشقاء. فمن تلك السبل المظلمة إلى تلك النهاية المؤلمة:
إطلاق البصر من الرجال إلى النساء ومن النساء إلى الرجال، في الشوارع والطرقات والأسواق والإدارات والشاشات والمصحف والمجلات. وكم للقلب في هذا السبيل من هدايا سامة، وللديانة من جروح دامية، ألم يؤدب الله أهل الإسلام ذكوراً وإناثًا بقوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31]؟
ومن تلك السبل: خلوة الرجل بالمرأة، وفي هذا الظرف الخالي يحضر الشيطان للتزيين والوسوسة حتى يحصل التعلق، وربما ساق إلى ما بعد ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما)[5]. وهذه الخلوة المحظورة سواء كانت في البيوت أم الإدارات الوظيفية، أم غرف الأطباء، أم فوق سيارات الأجرة والباصات، أم في غيرها، وكم حصل من مصائب بسبب هذه الخلوة المحرمة.
ومن تلك السبل كذلك: سفر المرأة بلا محرم، وخاصة سفرها إلى الأماكن البعيدة عن أهلها وبقاؤها هناك لدراسة أو وظيفة أو زيارة أو نحو ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها)[6].
ومن تلك السبل: قلة تحفظ النساء على حجابهن وحشمتهن، ومن مظاهر ذلك: الخروج بالألبسة الشفافة أو الضيقة أو المزينة أو القصيرة، والاختلاط بالرجال، وقلة الحياء في مخاطبتهم والضحك والمزاح معهم.
وإنها لمصيبة عظيمة على الرجال والنساء معًا؛ فإن ظهور النساء بتلك المناظر تجذب الرجال إليهن، وتشعل فتيل الشهوة التي إن لم تحرق تلفح وتجرح، فأين غيرة أولياء النساء الذين يسمحون لنسائهم بالظهور بين الرجال وهن على تلك الحال من الفتنة؟ ولقد قال الحكماء: إذا ضعفت الغيرة عند الرجال قلت الصيانة عند النساء.
ومن تلك السبل: البيئة السيئة والصحبة غير الصالحة، والإنسان يتأثر بمن حوله، فالمرأة حينما تكون في بيئة لا تحافظ على العفاف، أو عندما تصحب نساء لا دين لديهن ولا خلق يمنعهن من الحرام فقد تنجر وراءهن إلى مآلات مأساوية. وكذلك الرجل عندما يعيش في بيئة منحرفة، ويجلس مع أصدقاء منحرفين فسينحرف وسيأخذ بيده رفقاء السوء ليكون شريكهم في الحرام، وكم أفسد جلساء السوء من رجال أعفاء، وأبعدت جليسات الشر من نساء عن الصيانة والحياء.
عباد الله، ولا ننسى -ونحن نتحدث عن أسباب الانحراف عن العفة وحفظ الفروج- إفسادَ الإعلام السيئ للذكور والإناث كباراً وصغاراً بما يعرض من مسلسلات تروج للفاحشة، وأغانٍ ورقص يقدح زناد الشهوة، ويشجع على العلاقات خارج العش الزوجي، ويهون من شأن الفواحش والجرائم الخلقية.
كما لا ننسى أيضًا ما أفرزته التقنية الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وواتساب وتليجرام وإيمو وغيرها من وسائل التواصل؛ فإن هذه الوسائل حينما أساء بعض الناس استعمالها صدعت جدار الفضيلة، وأوقعت بعض الناس في الرذيلة، وخدشت الحياء والعفة، وقربت الفاحش من الفاحشة، وقضت على الستر والصيانة، ويسرت طرق الجريمة، وعرضت الأعراض لنهش الرذيلة، وساقت ذوي الاستعمال المعوج إلى عواقب وخيمة، ونهايات أليمة. وكم أخرجت تلك الوسائل من مخبأة من كناس حيائها، وسرقت العفيفة من حصن عفافها، وساقتها إلى سوق مآسيها ومصائبها.
وكم سلبت تلك الوسائل من بعض الرجال دينه وماله وعفته، وأخلاقه وطهارته وصحته. وكم من مستور ومستورة، صارت فضائحهم عبر هذه الوسائل معروفة مشهورة.
كم من بيت سعيد أشقته، وعرض نقي نجسته، وخلق حسن قبّحته، وجمع كريم زوجي وأسري فرّقته. كم زوجة انتهت حياتها الزوجية على شاشة جوالها، وبنت سعيدة بين أبويها وإخوانها وأخواتها اختلستها من بينهم تلك علاقات محرمة عبر الجوال حتى أبعدتها عنهم بلا رجعة.
كم سالت من دموع ودماء، وأريقت من عفة وحياء، وفضحت من نفوس وأُسر، ورفعت من نعم، وحلت من نقم، وكل ذلك جاء عبر شاشة جوال لم يحسن صاحبه التعامل معه.
أفلا يكفي العاقل والعاقلة ما تصل إليه من أخبار الضحايا من الذكور والإناث الذين سقطوا على تخوم تلك الوسائل صرعى وجرحى؟
ألا يعلم العاقلة والعاقلة أنه قد يكون بين سعادة العفة وشقاء الفاحشة رسالةٌ أو صورة أو مقطع صوتي أو مرئي أو مكالمة؟
ألا يعلم العاقلة والعاقلة أن شرك الفاحشة وعلاقات الرذيلة ومتابعة صفحات الجريمة يصعب الفكاك منه لمن أحكمت قيوده فيه، فما أسهل دخول مصيدة الفواحش وما أصعب الإفلات منها، وما أحلى طعم أوائل الحرم ولكن ما أمر عواقبها، فهل من متعظ؟
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها المسلمون، إن اجتناب الحرام -خاصة في هذا الزمان- مهمة جسيمة، وعبادة عظيمة، وعمل يعقب الخيرات الكثيرة، ويصرف عن أضرار عديدة، في الدنيا والآخرة.
ولاجتناب الحرام وسائل توصل إليه، وتعين عليه، يحسن بالذكور والإناث معرفتها؛ حتى يكون ذلك سبيلاً إلى تحقيق تلك الغاية الحميدة، وعونًا على سلوك تلك الطريق السديدة.
فمن تلك الوسائل:
الخوف من الله تعالى في السفر والحضر، ومراقبته في السر والعلن، أكثر من خوف الناس ومراقبتهم، والحياء منه تعالى، وقوة الإيمان، فهذه العبادات الباطنة هي الحارس الأمين، والحصن الحصين أمام طغيان الأهواء والشهوات.
قال تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله… ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله)[7].
“راود بعضُهم أعرابيةً، وقال لها: ما يرانا إلا الكواكبُ، قالت: فأين مُكوكِبُها؟[8]. ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
ومن وسائل الحفظ: مجاهدة النفس ومصابرة الشهوة وإغراءاتها، والانتصار على أهوائها؛ فإن الشهوة في جو الإغراءات كالحيوان المفترس إذا لم تحبس بالصبر أفسدت أيما إفساد، فالعاقل لا يعطي نفسه كل ما اشتهت، ولا يبلغها كل ما تمنت.
وإنّكَ مَهْما تُعْطِ بَطْنَكَ سُؤلَهُ *** وفَرْجَكَ، نالا مُنتهَى الذّمّ أجمعَا[9]
ومن وسائل الحفظ: تربية النفس على العفاف والغيرة، وكراهية تدنيس الأعراض، وتلطيخ السمعة، والأسرة الكريمة والبيئة الحسنة والجلساء الصالحون لهم أثر كبير في الحفاظ على هذين الخلقين الكريمين، فمن كان لديه غيرة كاملة فلن يدنس أعراض الناس خشية على عرضه. وفي المجتمعات المحافظة تبرز هذه الشيمة النبيلة حتى لدى تاركي الصلاة والبعيدين عن التدين.
ومن وسائل الحفظ: النظر في العواقب والعقوبات المترتبة على مقارفة الفواحش وسلوك طرقها، ففي الدنيا تجر تلك المآثم على أهلها الفضيحة وسوء السمعة، وابتعاد الناس عن أهلها، والأمراض النفسية وغيرها، والحرمان من الزواج، واستحقاق الزاني البكر للجلد، والزاني الثيب للرجم حتى الموت.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)[10].
وأما في الآخرة إذا مات الإنسان من غير توبة فسيلقى لعنة الله وعذابه. عن أبي هريرة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال: (التقوى وحسن الخلق) وسئل: ما أكثر ما يدخل النار؟ قال: (الأجوفان: الفم والفرج)[11].
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة… فذكر الحديث إلى أن قال: (فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا أخمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة… الحديث. وفي رواية: فانطلقنا على مثل التنور، قال: فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا… الحديث، وفي آخره: (وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني)[12].
أيها الفضلاء الكرام، ومن وسائل حفظ الفرج: النظر في العواقب الحسنة للعفاف وحفظ الفروج، فهناك عواقب حسنة في الدنيا، وأخرى في الآخرة؛ ففي الدنيا يكسب العفيف الراحة والصحة وحسن السمعة والأمان والسلامة، وفي الآخرة ينال كثرة الأجور رضوانَ الله وجنته.
قال تعالى: ﴿… وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 29] إلى قوله: ﴿ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 35].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)[13].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)[14].
ومن الوسائل أيضًا: أن يقنع الإنسان بالحلال، ويبعد نفسه عن التشوف إلى الحرام، فمن كان متزوجًا فليقنع بزوجه؛ الزوجة تقنع بزوجها، والزوج يقنع بزوجته؛ لأن الرجل الذي لا يقنع فلن تكفيه النساء، والمرأة إذا لم تقنع بزوجها فلن يكفيها الرجال، فمن رضي بالحلال ارتاح وسعد، وعوفي في دينه ودنياه.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه…