خطبة الجمعة عن البكاء من خشية الله

خطبة الجمعة
البكاء من خشية الله
إِنَّ الْحَمْدَلَلَهِ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
“يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ “
 يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ  كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا 
” يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوْلًا سَدِيدًا«»يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “
أَمَّا بَعْدُ إِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادُ اللَّهِ.
إِنَّ مِمَّا اُبْتُلِيَتْ بِهِ النُّفُوسُ الْغَفْلَةُ، وَمِمَّا أُصِيبَتْ بِهِ الْقُلُوبُ الْقَسْوَةُ وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ عِلَاجٌ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ أُمُورٌ كَثِيرَةً يَتَعَالَجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فَحَوَى ذَلِكَ عِبَادُ اللَّهِ وَخُلَاصَةُ مَا يَكُونُ سَبَبًاً فِيمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تُحْبِطُ الْإِنْسَانَ فِي سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الْقُلُوبُ قَسَتْ وَالْأَعْيُنُ جَفَّتْ وَنَحْنُ عَمَّا يُرَادُ بِنَا غَافِلُونَ.
عِبَادِ اللَّهِ :
أَقِفُ مَعَكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ وَقْفَةً حَوْلَ أَمْرٍ عَظِيمٍ عِبَادَةً جَلِيلَةً اتَّصَفَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَاتَّصَفَ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَاتَّصَفَ بِهَا الْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيِّينَ إِنَّهَا صِفَةُ الْأَبْرَارِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْأَخْيَارِ إِنَّهَا صِفَةُ( الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
عِبَادِ اللَّهِ.
لَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْبِيَائُهُ وَرُسُلَهُ الْكِرَامَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ *﴿ إذا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُ ٱلرَّحْمَٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ ﴾*
وقال الحق جل وعلا في كتابه الكريم في حق العلماء *﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ ﴾*
وقال المولى في حق الصالحين *﴿ وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ﴾*
أَوْصَافٌ جَلِيلَةٌ وَأَوْصَافٌ مُبَارَكَةٍ، اُنْظُرْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْكَرِيمُ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ الْعَظِيمِ الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تِلْكَ الْقَطَرَاتِ حِينَمَا تَنْزِلُ عَلَى خُدُودِنَا.
عِبَادِ اللَّهِ
خَشْيَةَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَلًاً مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقَطَرَاتٌ يُعَظِّمُهَا الْعَظِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَائُهُ، وَاَللَّهِ إِنَّ تِلْكَ الْعَبَرَاتِ حِينَمَا تَحْصُلُ مِنْ الْعَبْدِ الصَّالِحِ إِنَّهَا عَبَرَاتٌ عَظِيمَةٌ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْفَعُهُ بِهَا الْمَنَازِلُ الْعَالِيَةُ وَلَكِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَنَتَأَمَّلُ فِي أَحْوَالِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَيْفَ كَانَتْ مَلِيئَةً بِالْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْمَعْصُومُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
أَوَّلُ مَنْ يَطْرُقُ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الْأَوَّابُ، الْأَوَّاهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينِ وَالْأُخْرَيْنِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
كَانَ يَبْكِي إِذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ، وَيَبْكِي إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَيَبْكِي إِذَا قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَبْكِي إِذَا زَارَ الْمَقَابِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
فَهُوَ الْآمِرُ لِإِبِنِ أُمِّ عَبْدِ عَبْدَاللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ إِقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَتُؤَجَّلْ وَخَافَ وَارْتَعَدَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَانْبِي اللَّهُ أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: أَجَلْ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فَأَسْمَعُهُ آيَاتٍ افْتَتَحَ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا *﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍۭ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا ﴾* قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ، يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَفَعْتُ بَصْرِي إِلَيْهِ فَإِذَا عَيَّنَاهُ تَذْرِفَانِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَوْقِفٌ وَاحِدٌ، آيَةٌ وَاحِدَةٌ تَوَقَّفَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُتَأَمِّلًاً مُتَفَكِّرًاً بَاكِيًاً عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَى السَّلَامُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادَ اللَّهِ
مَوْقِفٌ آخَرُ يَحْكِيهِ لَنَا الْبَرَاءُ ابْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَجَلَسَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَجَعَلَ يَبْكِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ يَا إِخْوَانِيُّ لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّواْ.
عَبْدَاللَّهْ وَقْفَةٌ يَسِيرَةٌ انْظُرْ إِلَى أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ إِذَا ذَهَبُواْ إِلَى الْمَقَابِرِ وَشَيَّعُواْ الْجَنَائِزَ وَتَبِعُوهَا إِلَى مَثْوَاهَا الْأَوَّلِ الْأُخْرَوِيِّ إِلَى تِلْكَ الْحُفْرَةِ تَرَى النَّاسَ مَابَينَ ضَاحِكَ وَمَا بَيْنَ مَازِحٍ وَمَا بَيْنَ بَيْنَ مُتَكَلِّمٍ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ السَّيِّئَةِ الَّتِي يُنْدَى لَهَا الْجَبِينُ،
أَمَّا سَلَفُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُواْ يُشَيِّعُونَ الْجَنَائِزَ وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَلَا يُدْرَى مَنْ يَعِزُونَ لِكَثْرَةِ الْبَاكِينَ فَوا أَسْفَاهُ عَلَى أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ.
يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ
مَوْقِفٌ آخَرُ يَحْكِيهِ لَنَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ عَبْدَاللَّهُ ابْنُ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِصَوْتِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمُرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ، بُكَاءُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
بَا تَحْكِي زَوْجَتَهُ وَحَبِيبَتَهُ وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ يُكَرِّرُهَا وَيَبْكِي *﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾* صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي وَيَشْتَدُّ بُكَاءَهُ فَرَقًاً عِبَادُ اللَّهِ وَخَوْفًاً لِمَا سَيُقْدَمُ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَهُوَ الْآمِنُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَهُوَ الْقَائِلُ لَهُ خَازِنُ الْجَنَّةِ حِينَمَا يُقْرَعُ بَابُهَا بِكَ أُمِرْتَ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ سِوَاكَ أَوْ قَبْلَكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَعَ هَذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَلِيئَةً بِالْخَشْيَةِ وَالْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
عِبَادِ اللَّهِ وَهَكَذَا كَانَ سَلَفُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ يَقُولُ الْعِرْبَاضُ ابْنُ سَارِيَةَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَوْعِظَةً وَجَلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَانْظُرْ إِلَى الْعَلَاقَةِ الْعَظِيمَةِ مَا بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْأَعْيُنِ فَإِذَا وَجَلَتْ وَخَافَتِ الْقُلُوبُ إِذَا خَشِعَتِ الْقُلُوبُ وَانَابَتْ فَإِنَّ الْأَعْيُنَ تَبَعًاً
لَهَا وَإِذَا قَسَتِ الْقُلُوبُ فَلَا تَحْدُثُ عَنْ جَفَافِ تِلْكَ الْأَعْيُنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْطِّرَ أَنْ تُحْدِثَ قَطْرَةً وَاحِدَةً أَبَدًاً
عِبَادِ اللَّهِ :
مَا دَامَ أَنَّ الْقَلْبَ عِيَاذًاً بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ فِيهِ خُشُوعٌ وَلَا خُضُوعٌ وَلَا اسْتِكَانَةَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَيَقُولُ أَنَسٌ ابْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً عَظِيمَةٌ مَا سَمِعْتَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًاً، خِطَابًاً لِلصَّحَابَةِ الْكِرَامِ صَفْوَةَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مَنْ جَاهَدُواْ وَبَذَلُواْ أَرْوَاحَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُواْ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ هَذَا الدِّينِ، يُخَاطِبُهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَذَا الْخِطَابِ الْكَرِيمِ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًاً، قُلِي بِرَبِّكَ مَاذَا كَانَ حَالُهُمْ حِينَ سَمِعُواْ هَذِهِ الْمَوْعِظَةَ الْعَظِيمَةَ الْمُخْتَصَرَةَ الْيَسِيرَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ أَنَسٌ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خِنِّينٌ مِنْ الْبُكَاءِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَقَدْ جَفَّتْ أَعْيُنُنَا عِبَادَ اللَّهِ وَقَسَّتْ قُلُوبُنَا بِسَبَبٍ كَثُرَتِ الذُّنُوبُ الَّتِي قَدْ تَوَالَتْ عَلَيْنَا أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَالِكِ
نَشُكُواْ حَالَنَا إِلَى مَوْلَانَا وَخَالَقْنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادُ اللَّهِ وَهَكَذَا مَعْشَرُ الْمُسْلِمِينَ
السَّلَفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَسْمَعُ النَّاسُ صَوْتَهُ.
جَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ الْوَجَعُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيلَ لَهُ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ قَالَ: مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ
تَأَمَّلُواْ يَاعِبَادَ اللَّهِ إِلَى هَذَا الْوَصْفِ الْجَمِيلِ الْجَلِيلِ لِقَلْبِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ قَالَتْ: عَائِشَةُ يَارَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَيْنَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ فِي أَوْسَاطِنَا الْيَوْمَ، أَيْنَ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ فِي أَوْسَاطِنَا الْيَوْمَ، أَيْنَ مَنْ يَقْتَدُونَ بِهَؤُلَاءِ الْأَشْبَالِ الَّذِينَ ضَحَّوْاْ مِنْ أَجْلِ دِينِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَذَاكَ الْفَارُوقُ مَعَ شِدَّتِهِ وَحَزْمِهِ وَقُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ ذَلِيلًاً عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتِ رَبِّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ فَكَانَ فِي وَجْهِهِ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ لِكَثْرَةِ الْبُكَاءِ بَلْ كَانَ يَبْكِي حَتَّى يَرْتَجَّ الْمَسْجِدَ بِالْبُكَاءِ لِبُكَائِهِ شَفَقَةً عَلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَزِيرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَذَاكَ ذِي النُّورَيْنِ زَوَّجَ ابْنَتَيِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَذْكُرُ الْقَبْرَ فَيَخَافُ خَوْفًاً عَظِيمًاً وَيَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًاً وَيَقُولُ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ تَيَسَّرَ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ، وَإِنْ تَعَسَّرَ فَمَا بَعْدَهُ أَعْسَرُ،
نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ السَّلَامَةُ وَالْعَافِيَةُ.
وَذَاكَ الْإِمَامُ الْأَمِيرُ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَوَّجَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَا أَنْ يُخِيمَ اللَّيْلَ جَنَاحَ ظُلَمَتِهِ إِلَّا وَيَقِفُ قَائِمًاً يُصَلِّي لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَانَ يَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَهَذَا عَبْدَالرَّحْمَنُ ابْنُ عَوْفٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ ذَاتَ يَوْمًاً صَائِمًاً فَقَدِمَ لَهُ إِفْطَارَهُ فَذَكَرَ مُصْعَبٌ ابْنَ عُمَيْرٍ فَقَالَ: مَاتَ مُصْعَبٌ أَيْ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ نَجْدِلْهُ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إِلَّا بِرِدَّةٍ إِنْ غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ إِنْكَشَفَتْ قَدَمَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَتْ قَدَمَاهُ إِنْكَشَفَ رَأْسَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ ثُمَّ قَالَ: قَائِلًاً وَلَعَلَّهُ قَدْ بَسِطَ لَنَا فِي أَمْرِ دُنْيَانًا فَعَجِّلَتْ لَنَا
حَسَنَاتُنَا فَبَكَى وَقَامَ عَنْ طَعَامِهِ وَغَدَائِهِ.
. وَهَذَا مُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ سَيِّدِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي يَسْبِقُهُمْ بِرَتْوَةِ حَجَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ لَمَّا نَزَلَ الْمَوْتُ فِي سَاحَتِهِ جَعَلَ يَبْكِي بُكَاءً مَرِيرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ قَائِلًاً: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ لَيْلَةٍ صَبَاحِهَا إِلَى النَّارِ،
ثُمَّ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْحَبًاً بِالْمَوْتِ زَائِرًاً مُغَيَّبًاً… مَرْحَبًاً بِالْمَوْتِ زَائِرًاً مُغَيَّبًاً، وَيُرَحِّبُ بِالْمَوْتِ وَيُرَحِّبُ بِمَفْرَقِ الْجَمَاعَاتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ أَخَافُكَ وَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُوكَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا أَبُو ذَرٍّ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ يَقُولُ حِينَمَا نَزَلَ فِي سَاحَتِهِ الْمَوْتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءً عَظِيمًاً، أَلَآ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمَصْرَعِي هَذَا، أَلَآ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ سَاعَتَيْ هَذِهِ حَتَّى قُبِضَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
. وَهَذَا عَبْدَاللَّهُ بْنُ عُمَرَ ابْنُ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا سَمِعَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا *﴿ ۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱلِلَّهِ ﴾* يَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ مَغِمًّاً عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، كَمْ أَسْمَعَ وَتُسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةُ عَبْدَاللَّهِ فَلَا تَتَحَرَّكُ لَهَا الْقُلُوبُ وَلَا تَذْرَفُ لَهَا الْعُيُونُ دَلِيلٌ وَاللَّهُ أَنَّنَا فِي غَفْلَةٍ عَظِيمَةٍ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
وَهَكَذَا عِبَادُ اللَّهِ
مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ الْجَلِيلُ يَقُومُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي يُصَلِّي وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَبُكَاءُ بُكَاءً شَدِيدًاً حَتَّى رَقَّ لَهُ أَهْلُهُ،
فَجَاءُواْ إِلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ فَلَمْ يُجِبْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْجَمَ فَذَهَبُواْ وَأَرْسِلُو إِلَى أَبِي حَازِمٍ يَأْتِي يَنْظُرُ فِي حَالِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ لِمَاذَا يَبْكِي فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ قَالَ: مَالِكٌ يَا ابْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَرَأْتُ آيَةً قَالَ: وَمَاهِي قَالَ *﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱلِلَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا۟ يَحْتَسِبُونَ ﴾* هَذِهِ الْآيَةُ أَبْكَتْ مَنْ أَرَادُواْ إِنْقَاذَهُ مَعَهُ فَجَعَلَ أَبُو حَازِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ يَبْكِي مَعَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، هَذِهِ أَحْوَالُهُمْ مَعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْجَلِيلَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَرَحِمَهُمْ.
وَهَكَذَا عِبَادُ اللَّهِ
التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ وَالْعَالِمُ الْكَبِيرُ النِّحْرِيرُ الرَّبِيعُ ابْنُ خُثَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
يَقُولُ بَشِيرٌ بَتَّ عِنْدَهُ لَيْلَةً فَقَامَ يُصَلِّي فَقَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ *﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُوا۟ ٱلِسَّئَِّاتِ أَنْ نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلِصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾* قَالَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا وَجَعَلَ يَبْكِي طَوَالَ لَيْلَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَرَحِمَهُ.
وَهَذَا الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًاً حِينَمَا نَزَلَ فِي سَاحَتِهِ الْمَوْتُ وَكَانَ قَدْ أَهَبَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ يُرِيدُ سَفَرًاً فَأَمَرَ بِإِنْزَالِ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ فَبَسَطَ لَهُ بِسَاطٌ فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى ذَالِكِ الْبِسَاطِ قَائِلًاً: وَهُوَ يَبْكِي يَامِنَ لَا يَزُولُ مَلْكُهُ ارْحَمْ الْيَوْمَ مَنْ قَدْ زَالَ مَلْكُهُ فَبَكَى وَأَبْكَى مِنْ حَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، هَكَذَا عِبَادُ اللَّهِ كَانَتْ حَالَةُ أُولَئِكَ الْأَوَّابِينَ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ*
الْحَمْدَلُلَّهِ وَكَفَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادُ اللَّهِ
لِسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ لِمَاذَا بَكَوْاْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْجَوَابُ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
بَكُواْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُواْ أَنَّ الْبُكَاءَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ نَبِيُّنَا الْكَرِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ قَطْرَةَ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تَهْرَاقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادُ اللَّهِ.
بَكُواْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لِأَنَّ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) وَيَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ( عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرَسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
بَكُواْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُواْ أَنَّ الْبَاكِيَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يُظِلُّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وَمِنْهُمْ رَجُلًاً ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًاً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادَ اللَّهِ
بِهَذَا وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْأَسْبَابِ بَكَواْ مِنْ خَشْيَةٍ اللَّهُ حِينَمَا تَذَكَّرُواْ الْقَبْرَ وَظُلْمَتَهُ، وَتَذَكَّرُواْ الْقَبْرَ وَوَحْشَتَهُ وَتَذَكَّرُواْ الدَّارَ الْآخِرَةَ، تَذَكَّرُواْ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ وَالْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
بَكُواْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ شَوْقًاً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَخَوْفًاً مِنْ عَذَابِهِ حِينَمَا قَرَأُواْ أَمْثَالَ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا *﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلِنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلَسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ ﴾﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلِنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱلِلَّهِ شَدِيدٌ ﴾*
بَكُواْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حِينَمَا تَذَكَّرُواْ قَوْلَ اللَّهِ *﴿ وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ بِٱلْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾﴿ وَنُفِخَ فِى ٱلِصُّوَرِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ ﴾﴿ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾* كَمْ أَقْرَأُ وَكَمْ تَقْرَأُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْكَرِيمُ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي إِذَا سَمِعَهَا مَنِ انْصَرَمَ وَمَنِ انْقَضَى كَانَ يَخِرُّ مَغْشِيًّاً عَلَيْهِ مَاهِي أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ عِبَادُ اللَّهِ مَعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْجَلِيلَةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
عِبَادُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحَ الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حُلْمٌ نَحْلُمُهُ نَتَمَنَّى أَنْ تَذْرِفَ عُيُونُنَا شَوْقًاً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَخَوْفًاً مِنْ عِقَابِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،
يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَبْكُواْ لَكِنْ عَلَى مَاذَا يَبْكُواْ إِنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ قَدْ بَكَى بَلْ وَانْتَحَبَ بُكَاءً وَانْتَحَرَ بُكَاءً يَبْكِي عَلَى كُرَةِ الْقَدَمِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَالِكَ انْهَزَمَ الْفَرِيقُ الْفُلَانِيُّ فَيَبْكِي عَلَيْهِ بُكَاءً شَدِيدًاً وَذَاكَ يَبْكِي عَلَى سَمَاعِ أُغْنِيَةٍ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَالِكَ.
يَامَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَآخَرُ يَسْمَعُ الْأَبْيَاتِ الشِّعْرِيَّةَ فَيَرِقُّ لَهُ قَلْبُهُ وَتَذْرِفُ لَهُ عَيْنُهُ عِيَاذًاً بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَسْفَاهُ عَلَى تِلْكَ الدُّمُوعِ وَاحْسَرْتَاهُ عَلَى تِلْكَ الدُّمُوعِ الَّتِي قَدْ سَالَتْ عَلَى تِلْكَ الْخُدُودِ فِي سَبِيلٍ مِنْ وَلِمَنْ تَبْكِي أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْكَرِيمُ
يَا مَنْ بَكَيْتَ عَلَى جِلْدٍ مَنْفُوخٍ مَاهُو مَوْقِفُكَ حِينَمَا تَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عِبَادُ اللَّهِ نَحْنُ نَبْكِي، نَبْكِي عَلَى دُنْيَانَا، نَحْنُ نَبْكِي، نَبْكِي عَلَى أَحْوَالِنَا، نَبْكِي عَلَى مَأْكَلِنَا وَمَشْرَبِنَا، نَحْنُ نَبْكِي وَلَكِنْ نَبْكِي عِبَادَ اللَّهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَفْلَةِ عِيَاذًاً بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَلْ دَمَعَتْ عَيْنُكَ عَبْدَاللَّهِ هَلْ دَمَعَتْ عَيْنُكَ يَوْمًاً مِنَ الْأَيَّامِ حِينَمَا تَنْظُرُ إِلَى أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْمُزْرِيَةِ وَتُسَلِّطُ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، هَلْ بَكَيْتَ يَوْمًاً هَلْ رَقَّ قَلْبُكَ يَوْمًاً لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ.
يَاعِبَادَ اللَّهِ
إِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ عِبَادَةٌ عَظِيمِهُ وَعِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ لَا يُوَفَّقُ إِلَيْهَا إِلَّا الْخُلْصُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِهَا عِبَادَ اللَّهِ.
امًا آنُ عِبَادِ اللَّهِ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ،،، يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ امَا آنَ يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، آمًا آنَ يَا أَهْلَ الصَّلَاةِ، امَا آنْ يَا مَعْشَرَ الرُّكَّعِ السُّجَّدُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا أَنْ تَرِقَّ قُلُوبُكُمْ وَأَنْ تَذْرِفَ أَعْيُنُكُمْ خَوْفًاً مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَوْفًاً مِنَ اللَّهِ وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ *﴿ ۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱلِلَّهِ ﴾* وَاحْسَرْتَاهُ عَلَى أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ،،، وَاحْسَرْتَاهُ عَلَى أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ، عَزَّايَ وَاَللَّهِ لِقُلُوبِنَا، عَزَّايَ وَاللَّهِ لِقُلُوبُنَا نَحْمِلُ قُلُوبًاً قَاسِيَةً، نَحْمِلُ قُلُوبًاً صُلْبَةً، نَحْمِلُ قُلُوبًاً لَا تَتَأَثَّرُ بِكَلَامِ اللَّهِ وَلَا بِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا بِالْمَوَاعِظِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَالِكَ.
أُعَزِّي كُلَّ مُسْلِمٍ،،، أُعْزِّي كُلَّ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَفْقُودَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ لَافِي قَلْبِي وَلَافِي قَلْبَكَ وَلَمْ تَذْرِفْ عَيْنِي وَلَا عَيْنُكَ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَاعْبُدَ اللَّهِ سَمِعْتُ طَرَفًاً مِنْ أَخْبَارِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَشَيْئًاً مِنْ أَحْوَالِ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَيْفَ كَانُواْ مَعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْجَلِيلَةِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعَوذِبُكَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا
اللَّهُمَّ اهْدِ قُلُوبَنَا وَاشْرَحْ صُدُورَنَا
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَعْيُنٍ لَاتَدَمَّعْ وَمِنْ قُلُوبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ يَاذَا الْجَلَالُ وَالْإِكْرَامُ يَاقُوِي يَاعَزِيزَ يَاجِبَارْ بِدَوْلَةِ الْكُفْرِ أَمْرِيكَا وَمَنْ وَالَاهَا عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِدَوْلَةِ الْكُفْرِ فِي أَرْضِ فِلَسْطِينَ إِجْعَلُهُمْ عِظَةً وَعِبْرَةً يَارِبَ الْعَالَمِينَ
اللَّهُمَّ أَنْصِرْ عِبَادَكَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ