خطبة بعنوان : 《اعملوا صالحا》


الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ, القَائِلِ في كِتَابِهِ المَجِيدِ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الأنعام: 160], لا حَدَّ لِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ, أَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, جَعَلَ العَمَلَ الصَّالِحَ دَلِيلاً عُلى حُسْنِ الإيمَانِ، وَسَبَبًا لِلثَّوَابِ وَرِضَا الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، وَلَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَّا الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، وَإنَّمَا بِرَحْمَةِ وَفَضْل الرَّؤوفِ الْمَنَّانِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, عَمَرَ وَقْتَهُ بِمَا يُقَرِّبُهُ إلى اللهِ -تَعَالى-، وَحَثَّنَا على العَمَلِ الصَّالِحِ وَثَبَاتِهِ, وَكَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ- إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيهِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -يَا مُؤمِنُونَ- وَاعْمَلُوا صَالِحًا, فَرَبُّنَا هُو القَائِلُ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ)[الأنبياء: 94].
عِبَادَ اللهِ: مِنْ فَضْلِ الله أَنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ أَبْوَابٌ وَاسِعَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ, جَعَلَ اللهُ لِكُلٍّ مِنَّا مَا يُنَاسِبُهُ, وَمِنْ فَضْلِ اللهِ كَذِلِكَ أَنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ مُتَعَدِّدُ الْمَنَافِعِ، فَلا يَقْتَصِرُ عَلَى صَلاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ تِلاوَةُ القُرْآنِ فَحَسْبُ؛ فَاللهُ -تَعَالى- بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ جَعَلَ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ, فَأُنَاسٌ يٌدْعَونَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ, وَآخَرُونَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ, وَطَائِفَةٌ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَقِسْمٌ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ نَوَّعَ بَينَ الأَعْمَالِ وَدُعِيَ مِن تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا, نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ حُسْنَ القَولِ والْعَمَلِ . عِبَادَ اللهِ: الأَيَّامُ تَمْضِي بِحُلْوِهَا وَمُرِّهَا، وَأَعْمَارُنَا تَمْضِي مَعَ مُضِيِّهَا، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُؤمِنُ وَالكَافِرُ، وَالبَرُّ وَالفَاجِرُ، فَالسَّنَةُ سَتمضِي عَلينَا بِأَشْهُرِهَا وَأَيَّامِهَا، فَمُسْتَودِعٌ فِيهَا عَمَلاً صَالِحَا وَآخَرُ سَيِّئًا, وَاعْلَمُوا -يا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّهُ لا يَكُونُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالى- خَالِصًا لِوَجْهِهِ . أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: أَتَظُنُونَ أَنَّ جَزَاءَ العَمَلِ الصَّالِحِ مُقْتَصِرٌ عَلَى الآخِرَة فَقَطْ؟ أَو أَنَّهُ عَليكَ فَحَسْبُ؟ كَلاَّ؛ فَإِنَّ لَهُ جَزَاءً فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ, وَهَذَا مِنْ لُطْفِ اللهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ علينَا, فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضي اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا”, أَرَأَيْتُمْ الْمُؤمِنُ يُكافَئُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ! وَأَمَّا الكَافِرُ فَفِي الدُّنْيَا فَقَطْ, وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَلَيسَ لَهُ مِنْ خَلاقٍ!.
العَمَلُ الصَّالِحُ -يَا مُؤْمِنُونَ- سَبَبٌ لِسَعَادَةِ القَلْبِ وَفَرَحِهِ وَانْشِرَاحِهِ، وَذَهَابِ هَمِّهِ وَغَمِّهِ وَانْغِلاقِهِ؛ أَلَمْ يَقُلْ أَصْدَقُ الْقَائِلينَ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97]؛ قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: “حَيَاةً طَيِّبَةً بِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ وَسُكُونِ نَفْسِهِ, وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِ لِمَا يُشَوِّشُ عَلَيهِ”.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ مَوَدَّةُ النَّاسِ وَمَحَبَّتُهُمْ لِمَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا, وَالْقُلُوبُ لا يَمْلِكُهَا إلَّا اللهُ، وَلا يَكْرَهُ أَهْلَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَّا أَهْلَ الاسْتِكْبَارِ والنِّفَاقِ وَالْحِقْدِ والْبَغْضَاءِ, قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96], قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: “مَحَبَّةٌ في النَّاسِ فِي الدُّنْيَا”, وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عَفَانَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “مَا مِنْ عَبْدٍ مِن النَّاسِ يَعْمَلُ خَيرًا وَلا يَعْمَلُ شَرًّا، إلَّا كَسَاهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ”.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ صَلاحُ أَحْوَالِ العَبْدِ وَقَلْبِهِ وَأَعْمَالِهِ وَتَيْسِيرِ أُمُورِهِ, أَتَظُنُّونَ -يَا مُؤمِنُونَ- أَنَّ مَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا تَسْتَوِي حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ بِمَنْ يَعْمَلُ سَيِّئًا؟! لا واللهِ؛ فَاللهُ هُوَ القَائِلُ: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[الجاثية: 21], فَإنَّ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ وَخَيرَ العَادِلِينَ قَطَعَتْ بِأَنَّ العَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ لَهُم النَّصرُ والفَلاحُ, والسَّعَادَةُ والثَّوَابُ في العَاجِلِ والآجِلِ, كُلٌّ على قَدْرِ إحسَانِهِ, كَانَ الْفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ -رَحمَهُ اللهُ- يُرَدِّدُ الآيَةَ وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: “يَا فُضَيْلُ! لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ؟”.
عبادَ اللهِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً حَفِظ اللهُ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ, وقَدْ أخَبَرنا اللهُ عنْ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي مَدِينَةٍ كَانَ لَهُمَا كَنْزٌ حُفِظَ بِسَبَبِ: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)[الكهف: 82]؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: “حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبَوَيْهِمَا”.
نَحنُ -يا مُسلِمونَ- أحوجُ مَا نَكُونُ في هذا الزَّمَنِ بالذَّاتِ لِلتَّزوُّدِ من العَمَلِ الصَّالِحِ؛ لأنَّهُ الثَّبَاتُ فِي الشَّدَائِدِ، والوَاقِي عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ, والحافِظُ عَن الفِتَنِ -بإذنِ اللهِ تَعَالى-؛ وَلِذَا فَقَدْ أَوْصَى النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ حَالَ الْفِتَنِ، وَكُلُّنا يَعلَمُ أنَّ الَّذِين آوَوْا إِلَى الْغَارِ وَانْحَدَرَتْ الصَّخْرَةُ على فَم الْغَارِ وَأَغْلَقَتْهُ؛ أنَّهُم نُجُّوا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ سَأَلُوا اللهَ بِهَا, فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّ عَمَلَهُ يُسْعِفُهُ فِي كَرْبِهِ جَزَاءً وِفَاقَا.
فاللهُمَّ اجعَلنا مِن عبادِكَ الصَّالِحينَ الْمُصلِحينَ الْمُفلِحينَ, اهدِنا -يا رَبَّنا- لِصالِحِ القولِ والخُلُقِ والعَمَلِ, وأستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فاستَغفِرُوهُ؛ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ ، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ يَهدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقِيمٍ, أَشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ السَّمِيعُ البَصِيرُ, وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه البَشِيرُ النَّذِيرُ, صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه, والتَّابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمصيرِ, أَمَّا بَعدُ : فَيا أيُّها الْمُسلِمونَ: أوصِيكُم ونَفْسِي بِتقوى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَتَقْوَاهُ خَيرُ زَادٍ، ونِعمَ العُدَّةُ لِيومِ الْمَعَادِ، فَاتَّقُوا اللهَ حيثُما كُنتم، وقُومُوا بِالأمرِ الذي مِن أجلِه خُلِقتم، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115].
هِنِيئَا لَكُم -يَا مُؤمِنُونَ- هَذا الوَصْفُ والعُنْوَانُ, فَجَزاءُ إيمَانِكُم وَعَمَلِكُمُ الصَّالِحِ ثَوابٌ في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ, ألا تَعلَمُ -يا رَعاكَ اللهُ- أنَّ مَنْ يَعمَلُ صَالِحاً لَهُ وِلايَةٌ خَاصَّةٌ مِن اللهِ -تَعَالى-؟؛ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196].
بَلْ أهلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لهُمُ التَّمْكِينُ فِي الْأَرْضِ؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55], واستَمِعُوا إلى الكَلامِ النَّفِيسِ الذي خَرَجَ مِنْ قَلْبِ الشَّيخِ السَّعدي عندَ تَفْسِيرِهِ لِهذهِ الآيَةِ ما مَفادُهُ: وهذا مِنْ أَوعَادِهِ الصَّادِقَةِ، فَإنَّ مَنْ قَامَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ يَكُونُونَ هُمْ خُلَفَاءُ الأرْضِ، الْمُتَصَرِّفِينَ فِي تَدْبِيرِهَا، وأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُم مِنْ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ، وَأنَّهُ يُبَدِّلَهُم مِنْ بَعدِ خَوفِهم بِالأَمْنِ التَّامِ، بِحيثُ يَعبُدُونَ اللهَ لا يُشرِكُونَ بِهِ شَيئَاً، وَقَد قَامَ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالإيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا يَفُوقُ غَيرَهُم، فَمَكَنَّهُمُ مِن البِلادِ والعِبَادِ، وَلا يَزَالُ الأَمْرُ إلى قِيامِ السَّاعَةِ، فإنَّ مَنْ يَقُومُ بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، وإنَّمَا يَتَسَلَّطُ الكُفَّارُ والْمُنَافِقُونَ، بِسبِبِ إخْلالِنا بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.
عبادَ اللهِ: وَمِنَ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ دَفْعُ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعُهَا, كَمَا فِي حَدِيثِ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: “يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ الله بَالَةً”(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ), فَأَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعِهَا بِسَبَبِ صَلَاحِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، وأَنَّهُمْ سَبَبٌ لِتَمْكِينِ الْأُمَّةِ وَعُلُوِّهَا وَعِزِّهَا وَفَخَارِها، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَحبَّتُهُمْ وَمُوَالتُهُمْ، وَبُغْضُ أَعْدَاءِهِمْ.
أيُّها الْمُؤمِنُون:
أَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَنْفَعُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَكُونُ أَنِيسًا لَكُمْ فِي قُبُورِكُمْ، وَذُخْرًا لَكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ؛
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء: 124].
إِنَّنَا -عِبادَ اللهِ- أَشَدُّ مَا نَكُونُ حَاجَةً فِي هَذَا الزَّمَنِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَنْوِيعِهِ وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ؛ لِكَثْرَةِ الْفِتَنِ الْمُحِيطَةِ بِنَا، وَالْكُرُوبِ والأَوبِئَةِ الَّتِي تُطَوِّقُنَا؛ فَفِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَنْجَاةٌ وَثَبَاتٌ وَمَخْرَجٌ مِنْهَا, يَكْفِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَضْلًا وَأَهْلَهُ شَرَفًا أَنَّ اللهَ زَكَّاهُم فَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)[البينة: 7], رَضِينا بِاللهِ ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبِمُحمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ, اللهُمَّ ارزُقنَا مَحَبَّتَكَ ومَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10], اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا والمسلمين أجمعين, اللهم أصلح أحوالنَا, وأَعِذْنَا من الشُّرُورِ والفتَنِ, وهيئ لنا وللمسلمين من أمرنا رَشَدَا, اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين, اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا, (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].