■ خطبة بعنوان :

(( من تصاحب ؟ ))

■ عناصر الخطبة :

1- من تصاحب ؟.
2 – اهمية الصحبة الصالحة .
3 – حقوق الصاحب .
4 – مميزات الصحبة الصالحة .
5 – ثمرات الصحبة الصالحة .

■ الخطبة :

الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار ، وصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مقلب القلوب والأبصار. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار ، صل الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار ، وعلى جميع أصحابه الأخيار من مهاجرين وأنصار ، وعلى جميع من سار على نهجهم واقتفى آثارهم ما أظلم الليل وأضاء النهار .

▪︎ أمَّا بعدُ :

إن ميزان الإنسان أصدقاؤه ، فقل لي من صاحبك أقل لك من أنت
، فالناس تعرِف المرء صالحاً أو طالحاً من خلال من يصاحب ، بل إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق ؛ الصحبة ، فإن كانت صُحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير ، وإن كانت صُحبة أشرار فمن المؤكد أنها ستترك بصماتها ، فصحبة أهل الشر داء وصحبة أهل الخير دواء .
إن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه ، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله ، والمرءُ إنما توزن أخلاقه وتُعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه ، ولقد جسّد ذلك محمّد صل الله عليه وسلم بقوله : (( الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل )) ،
[ أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ] .
ولقد وجّه رسول الله صل الله عليه وسلم إلى أن الجليس المصاحب أثره ظاهر على المرء ونتائجه سريعة الظهور ،. ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة )) .
إن صديق السوء لو لم تجني منه إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً ، وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك .

● الصاحب ساحب : لو أن مؤمناً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة منافق ومؤمنٌ واحد لجاء حتى يجلس إليه ، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة مؤمن ومنافقٌ واحد لا زال يمشي حتى يجلس إليه ، وإن أجناس الناس كأجناس الطير ، والطيور على أشكالها تقع .

● أخي الحبيب : صاحب العقلاء تُنسب إليهم وإن لم تكن منهم ، ولا تصاحب الجهال فتُنسب إليهم وإن لم تكن منهم ، ولك أن تسأل أهل السجون كيف وصلوا إلى قضبان الحديد ، وكيف وضعت في أيديهم وأرجلهم القيود ، إنهم بلا شك بواسطة أصدقاء السوء .
▪︎ اسأل أهل الخمر والمخدرات كيف وقعوا في ذلك ؟
كم ضل من ضل بسبب قرينٍٍ فاسد أو مجموعة من القرناء الأشرار ، وكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا جُرفٍ هار فأنقذه الله بهم من النار ، وكاذب ثم كاذب من ادَّعى قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها ، لأن قلبه قلب بشر
لا قلب مَلَك ، وسيتأثر حتماً بالبيئة المحيطة سلباً أو إيجاباً ، وإلا لماذا أمر الله رسوله المؤيد بالوحي والذي رأى الجنة والنار رأي العين بصيانة سمعه وبصره ومفارقة مجالس السوء قائلاً له : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، [ الأنعام : 68 ]
لنتأمل في حال رجل عاقل كبير في السن ، كان سيداً من سادات العرب ورأسٌ في قومه ومجتمعه ، مسموع الكلمة مُطاع الرأي : إنه أبو طالب عم النبي صل الله عليه وسلم يقع في براثن رفيق السوء ويهلك نتيجة الصحبة السيئة !
_لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صل الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال : (( أي عم ! قل
لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله – عز وجل ، فقال رفقاء السوء أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : ” يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ” فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء : على ملة عبد المطلب )) ، [ أخرجه البخاري في الجنائز (1272) ] .
– نعوذ بالله من الخذلان ومن جلساء السوء – .
_ وإن من الخيبة أن ترى المرء لا تنبسط أساريره إلا مع قرناء السوء ، إن هَمَّ بخير ٍٍِثبطوه ، وإن أبطأ عن سوء عجّلوه ، وإن استحيا من منكر شجعوه وهونوه ، فهم دعاة له على طريق جهنم
، إن استمر معهم أردوه في أسوأ عاقبة وأتعس مصير ، وكانت عاقبته الندامة والعض الشديد على اليدين ندمًا على صحبتهم ، في مثل هذا قال تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
يا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } ، [ الفرقان : 27-29 ].
● أخي المسلم : أكثر من صحبة الصالحين ، الأموات منهم والأحياء ، اصحب الأموات من الصالحين بمطالعة سيرهم ، والوقوف على أخبارهم واصحب الصالحين من الأحياء ممن تتوسم فيهم الصلاح ، ولهذا قال صل الله عليه وسلم :
(( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) ،
[ أخرجه أبو داود والترمذي بسند لا بأس به ] .
_ وفي سنن ابن ماجة بسند حسن من حديث أنسا أن النبي
صل الله عليه وسلم قال : (( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير ،
مغاليق للشر )) ، فاحرص على هذه المفاتيح التي تفتح قلبك
وأذنك وسمعك وبصرك على الخير .
_ إن الصداقة الزائفة ، والمحبة المبنية على تحصيل المصالح
الدنيوية وجلب المنافع العاجلة ، الحب فيها مصطنع مزيف ،
إذا هبت عليها رياح المصلحة فرّقتها ومزّقتها ؛ لأنها لم تُبن على
أساسٍ راسخ ولا أصلٍ ثابت .
_ إن كل صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة ، قال تعالى : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ }
، [ الزخرف:67 ] ، فالأصدقاء في هذه الحياة يعادي بعضهم بعضًا يوم القيامة إلا أصدقاء الإيمان ، الذين بنوا صداقاتهم على الحب في الله والبغض في الله .
● فيا من تُعاشِر صاحب سوء وأهل السوء !
{ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، [ الأنعام : 68 ] .
▪︎ لا تقعد بعد الذكرى مع أهل السوء ؛ فإن الله نهاك عن ذلك .
هؤلاء الذين يتبرأ بعضُهم من بعض ، ويقول الواحد منهم يوم القيامة : { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً } ، [ الفرقان:28 ] .
_ ولذلك كان صل الله عليه وسلم يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال : (( اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ، ومن ليلة السوء ، ومن ساعة السوء ، ومن صاحب السوء )) ، [ رواه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني في صحيح الأدب : 86 ]

● أخي الحبيب :
الزم صُحبة الأخيار ومودة المتقين الأبرار الذي تزيدك صحبتهم استقامة وصلاحًا ، فإن صحبة هؤلاء تورث الخير في الدنيا والآخرة ، ولذا أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صل الله عليه وسلم بها ، فقال جل ذكره: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } ،
[ الكهف : 28 ] .
▪︎ فيا ابن الإسلام ، ويا مريد الخير ، ويا سُلالة الصالحين :

أنت في الناس تقـاس — بالذي اختـرت خليـلاً
فاصحب الأخيار تعلو — وتنل ذكــراً جميــلاً

ولا تصاحب الفساق والفاسدين فتكون مثلهم ، ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي ، قال علي بن أبي طالب :
« لا تصاحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله » .

● أخي الحبيب : يجب عليك اختيار الصديق من الناس كما تختار الجميل من المظاهر ، واللذيذ من الطعام ، والسائغ من الشراب ، فإن أهل الشر والدناءة لا يدخرون لك إلا شراً ودناءة ، واعلم أنه ليس كل من كان جميل اللسان عذب الكلام دائم الابتسامة بصديق ، فلربما أعجبك ملمس الثعبان ولكنه ربما لدغك .

واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي — كما يعدي الصحيحَ الأجربُ
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً — إن القرين إلى المقارن ينسب

▪︎ قيل لأحد الصالحين : من نُجالس? قال : « من تُذكركم الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ، ويرغبكم في الآخرة عمله » .

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه — فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم — ولا تصحب الأردى فتردى
مع الردي

▪︎ سئل أحد السلف عن الصُّحْبة فقال : « الصحبة مع الله بحسن الأدب ، ودوام الهيبة ، والصحبة مع الرسول صل الله عليه وسلم بإتباع سنته ، ولُزُوم ظاهر العلم ، والصُّحْبة مع أولياء الله بالاحترام والحُرْمة ، والصُّحْبة مع الأهل بحُسْن الخلق ، والصُّحْبة مع الإخوان بدَوَام البشر والانْبِسَاط ما لم يَكُن إثمًا ، والصُّحْبة مع الجُهَّال بالدُّعاء لهم ، والرحمة عليهم ، ورُؤية نِعْمة الله عَليك أنه لم يبتَلِكَ بِما ابْتَلاهُم به » .

قال تعالى في كتابه الكريم : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ } ، [ الزخرف:67 ]. وقال سبحانه { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ♤ يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً ♤ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } ،
[ الفرقان:27 ] .
▪︎ لقد حذر الإسلام المسلمين من سوء اختيار الصحبة و بالذات رفقاء السوء ، الذين يجاهرون بالمعاصي ويباشرون الفواحش دون أي وازع ديني و لا أخلاقي لما في صحبتهم من الداء ، وما في مجالستهم من الوباء ، وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك ،
وإذا ذكرت أعانوك .
● ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق حتى يكون
صديقاً صالحاً : الوفاء – الأمانة – الصدق – البذل – الإخاء .
_ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم (( ‏مَثَلُ الجليس الصَّالِح
و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً )) ‏، [ متفق عليه].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم ))،[رواه مسلم]
– وقد قال ابن الجوزي : رفيق التقوى رفيق صادق ، ورفيق
المعاصي غادر .
– وعن سلمان : “مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل
إحداهما الأخرى ، وما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما
من صاحبه خيراً ( إحياء علوم الدين ).
_ وفي الحديث : (( المؤمن مرآة المؤمن )) ، [ رواه أبو داود ] .

● نوصيكم إخواني بالدعاء إلى الله عز وجل بأن يوفقنا وإياكم
بصحبة صالحة تدلنا على الخير وتُعينُنا على الطاعات ، وأن
يصرف عنا أهل السوء ومجالستهم والتأثر بأعمالهم وأخلاقهم .

_ قال رسول الله – صل الله عليه وسلم (( المرء على دين خليله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يخالل )) ، [ خرجه أحمد 2/303(8015) و
“أبو داود” 4833 و”التِّرمِذي” 2378 ] .
عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّ رَجُلاً قََالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ : فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ ، لِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ . [ رواه أحمد (13419 و13886) ، وعَبْد بن
حُمَيْد (1296) ، ومُسْلم (7520) ] .

▪︎ قال علي رضي الله عنه :

فلا تصحب أخا الجهل —- وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى —- حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء —- إذا ما المرء ماشاه
و للشيء من الشيء —- مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب —- دليل حين يلقاه

• وقال الشاعر :

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ _ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ _ وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى
مَعَ الرَّدِي

▪︎ يقول أهل العلم : هل كان أفسد على أبي طالب من صحبة السوء ؟! أراده صل الله عليه وسلم أن يقول : ( لا إله إلا الله ) فقال : (( يا عمي قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله )) ،
[ متفق عليه ] .
فأراد أن يتلفظ بها.. لينجو من العذاب ويدخل في رحمة الواحد القهار . فقال له أبو جهل : كيف ترغب عن ملة آبائك وأجدادك !.
فالصاحب باب من أبواب الخير كما أنه باب من أبواب الشر يدخل الشيطان إلى القلوب بواسطة الأصحاب .

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } ، [ الفرقان :27- 29 ] . حذر الإسلام المسلمين من سوء اختيار الصحبة و بالذات رفقاء السوء ، الذين يجاهرون بالمعاصي ويباشرون الفواحش دون أي وازع ديني و لا أخلاقي لما في صحبتهم من الداء ، وما في مجالستهم من الوباء ، وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك ، وإذا ذكرت أعانوك .
● ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق حتى يكون
صديقاً صالحاً : الوفاء – الأمانة – الصدق – البذل – الثناء – والبعد
عن ضد ذلك من الصفات .
▪︎ والصداقة إذا لم تكن على الطاعة فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة ، كما توضح الأيات والأحاديث. { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ } ، [ الزخرف:67 ]
و { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } الآية. نزلت هاتين الآييتين الكريمتين في أمية بن خلف الجمحي ، وعقبة بن أبي مُعَيْط ، وذلك أن عقبة كان يجالس النبي صل الله عليه وسلم ، فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك ، فنذر النبي صل الله عليه وسلم قتله ، فقتله يوم بدر صبرا
، وقتل أمية في المعركة . وقال ابن عباس في تفسيرها
( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ ) يريد يوم القيامة . ( بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) أي : أعداء ، يعادي بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً . ( إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ) فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ، نرجوا من الله أن نكون منهم .
– وذكر الثعلبي رضي الله عنه في هذه الآية قال : كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب ، إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك ، وطاعة رسولك ، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر . ويخبرني أني ملاقيك ، يا رب فلا تضله بعدي ، واهده كما هديتني ، وأكرمه كما أكرمتني . فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما ، فيقول الله تعالى ( لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه ) ، فيقول : يا رب ، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك ، فيقول الله تعالى ( نعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان ) ، قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب ، إن فلاناً كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فأسألك يا رب ألا تهده بعدي
، وأن تضله كما أضللتني ، وأن تهينه كما أهنتني ؛ فإذا مات خليله الكافر قال الله تعالى لهما ( لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه ) ، فيقول : يا رب ، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك ، فأسألك أن تضاعف عليه العذاب ؛ فيقول الله تعالى ( بئس الصاحب والأخ والخليل كنت ) . فيلعن كل واحد منهما صاحبه . والآية عامة في كل مؤمن وكافر ومضل .

▪︎ اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .

■ الخطبة الثانية :

إِنّ الحَمْدَ للهِ نَحمَدُهُ ونَستَعِينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا ، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وعَلَى ءالِهِ وصَحْبِهِ ومَن والاهُ .

▪︎ أَمَّا بَعْدُ :
● عِبادَ اللهِ

فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، في السِّرِّ والعَلَنِ
، اتَّقُوا اللهَ وأَطِيعُوهُ وتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وٱسْتَغْفِرُوهُ .

والجُودُ بالمودَّة من كريمِ البذل ، والبَوح بالمحبَّة من جميل الفضل ، وقصرُها على أهل التقوى دليلُ العقل . والعاقلُ الحصيفُ من يُخالِطُ الأفاضِل ، ويُعاشِر الأماثِل ، لا يُصافِي غريبًا حتى يسبُر أحوالَه ، ولا يُؤاخِي مستورًا حتى يكشِف أفعالَه ؛ لأن المرء موسومٌ بسِيماءِ من قارَب ، موصوفٌ بأفعالِ من صاحَب ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صل الله عليه وسلم : (( الرجلُ على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم من يُخالِل )) ،
[ أخرجه أبو داود ، والترمذي ] . والمعنى : فليتأمَّل وليتدبَّر أحدُكم من يُخالِط ؛ فإن رضِيَ دينَه وخُلُقَه خالَلَـه ، وإلا صارمَه وبايَنَه ، فإن الطباعَ تُعدِي ، وصُحبةَ السُّوء تُغوِي . ومن جميل
ما نُظِم :
ابلُ الرجالَ إذا أردتَ إخاءَهم — وتوسَّمَنْ أمورَهم وتفقَّدِ فإذا ظفِرتَ بذِي الأمانة والتُّقَى — فبِه اليدين قريرَ عينٍ فاشدُدِ . • ويقول القرافي :
” ما كلُّ أحدٍ يستحقُّ أن يُعاشَر ويصاحَبَ ويُسارَر ” .
عاشِر أخا الدِّين كي تحظَى بصُحبَتهِ — فالطبعُ مُكتسَبٌ من كل مصحوبِ كالرِّيحِ آخِذةٌ ما تمرُّ به نتنًى — من النَّتنِ أو طيبًا من الطِّيبِ ولا تجلِس إلى أهل الدنايا — فإن خلائِقَ السُّفهاء تُعدِي وصاحِب خيارَ الناس تنجُ مُسلَّمًا — وصاحِب شِرارَ الناس يومًا
فتندَمَا .
• قال أبو حاتم : “ومن يصحَب صاحبَ السوء لا يسلَم ، كما أن من يدخل مداخِل السوء يُتَّهَم “، وقال أعرابيٌّ : ” مُخالطةُ الأنذال والسِّفلة تحُطُّ الهيبة ، وتضع المنزِلة ، وتكِلُّ اللسان ، وتُزرِي الإنسان ” ، وقال شريكُ بن عبد الله : ” كان يُقال : لا تُسافر مع فاسِقٍ ؛ فإنه يبيعُك بأكلةٍ وشربةٍ ” ، ووعظَ الخطَّابُ بن المُعلَّى ابنَه فقال : ” إياك وإخوانَ السوء ؛ فإنهم يخونون من رافقَهم ، ويُحزِنون من صادقَهم ، وقُربُهم أعدَى من الجرَب ، ورفضُهم من استِكمال الأدب ” ، وقيل : ” الجليسُ الصالِح كالسِّراج اللائِح ، والجليسُ الطالِح كالجرَب الجائِح ” . وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : (( إنما مثلُ الجليس الصالِح وجليس السوء كحامِل المِسك ونافِخ الكِير ؛ فحامِلُ المِسك إما أن يُحذِيَك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجِد منه رِيحًا طيبة ، ونافِخُ الكِير إما أن يُحرِق ثيابَك ، وإما أن تجِد منه ريحًا مُنتِنة )) ، [ متفقٌ عليه ] . فزايِل أهلَ الرِّيَب ، وانْأَ عن أهل الفسوق ، وصارِم أهل الفجور ، وأعرِض عن أهل السَّفَه والتفريط ؛ فكم جلبَت خِلطتُهم من نقمة ، ورفعَت من نعمة ، وأحلَّت من رزِيَّة ، وأوقعَت في بليَّة ، { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } ، [ النساء من الآية : 38 ] .

ومن يكُن الغرابُ به دليلًا — يمُرُّ به على جِيَفِ الكلابِ وطلبَ رجلٌ من أعمَى أن يقودَه ، فقال له : أعمَى يقودُ بصيرًا لا أبا لكُمُ ! *** قد ضلَّ من كانت العُميان تهدِيه ومن قادَه أهلُ الزَّيغ والفِسق والعمَى عضَّ على يديه تحسُّرًا وتأسُّفًا وتندُّمًا ، { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ♤
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ♤ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ
إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } ، [ الفرقان:27-29 ] .
▪︎ فيا فوزَ من وعَى ! ويا سعادة من إلى ربِّه سعَى !

وجاء عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أحاديث عديدة تحثُ المسلمين لاختيار الصحبة الصالحة ومنها : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ اِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، حَدَّثَنَا اَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ سَمِعْتُ اَبَا بُرْدَةَ بْنَ اَبِي مُوسَى ، عَنْ اَبِيهِ ـ رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم (( مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً )) ، [ متفق عليه ] .
( واللفظ للبخاري ) . و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ، وَأَبُو دَاوُدَ قَالاَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم :
(( الرَّجُلُ عَلَى خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) ، [ قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ و أبو داوود ] . وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن مبارك بن حسان ، عن عطاء عن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله ، أي جلسائنا خير ؟ قال : (( من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله )) . [ رواه أبو يعلى الموصلي ] .
● اعلموا إخواني : بأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه ، لأنه يتأثر بعملهم وأخلاقهم ، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم و بأخلاقهم السيئة ، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة ، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه. ، ويصنف تبعاً لهم .
و صدق من قال : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقـــــــارن يقتــــــــدي و إن كانوا أصدقاء خير تأثر بأخلاقهم الحميدة وأعمالهم المرضية لله عزوجل ، وكانوا له عوناً على طاعة المولى عز وجل ، و بينون له مواطن العلل فيعمد إلى إصلاح نفسه ، لأن هناك من يذكره بتقوى الله ويذكره بالموت وأجله ، والقبر وظلمته والقيامة و أهوالها ، والنار وعذابها والجنة و نعيمها .
_ وفي حديث رواه أبو داوود قال : حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا بن وهب عن سليمان يعني بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : (( مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )) ، [ رواه أبو داود ] .
_ وتخيل أخي المسلم كم من فائدة تجنيها من مجالسة الأخيار ، و كم من معصية وضرر يصيبك من مجالسة الأشرار .
و أفضل ما يمكن ذكره هنا أن مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله كما في الحديث الذي رواه الأمام مالك في موطأه : َحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ .‏ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي – قَال – فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ : وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ .‏ فَقَالَ : آللَّهِ ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ .‏ فَقَالَ آللَّ هِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ ‏.‏ فَقَالَ آللَّهِ ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ ‏.‏ قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ : أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم يَقُولُ : (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )) ، [ رواه مالك وصحح إسناده ابن عبد البر والمنذري والنووي ] .
● واعلموا إخواني : أنه من الفوائد الأخرى التي يجنيها المسلم في مجالسة الأخيار أيضاً ، حصوله على بركتهم كما في الحديث الذي رواه الأمام مسلم : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ : (( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ ، قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ
يَا رَبِّ ، قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا لاَ ، قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم )) ، [ رواه مسلم ] .
_ وقد قال ابن الجوزي : رفيق التقوى رفيق صادق ، ورفيق المعاصي غادر ، مهر الآخرة يسير ، قلبٌ مخلص ، ولسانٌ ذاكر ، إذا شبت ولم تنتبه ، فاعلم أنك سائر .
• وأنشدوا قول الشاعر :
تجنب قرين السوء واصرم حباله فإن لم تجد عنه محيصاً فداره وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه تنل منه صفو الود ما لم تماره وقال مالك بن دينار : إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار ، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار .
– وأنشد : وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا وصاحب شرار الناس
يوما فتندما .

ويَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ تُؤثَرُ صُحْبَتَهُ خَمْسُ خِصالٍ أَنْ يَكُونَ عاقِلاً حَسَنَ الخُلُقِ لا فاسِقًا ولا مُبْتَدِعًا ولا حَرِيصًا عَلى الدُّنْيا .
فَأَمّا العَقْلُ ، فَهُوَ رَأْسُ الْمالِ ، ولا خَيْرَ في صُحْبَةِ الأَحْمَقِ ، لأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ ، وأَمّا حُسْنُ الْخُلُقِ فَلا بُدَّ مِنْهُ ، إِذْ رُبَّ عاقِلٍ يَغْلِبُهُ غَضَبٌ أَوْ شَهْوَةٌ فَيُطِيعُ هَواهُ فَلاَ خَيْرَ في صُحْبَتِه . وأَمّا الفاسِقُ ، فَإِنَّهُ لا يَخافُ اللهَ ومَنْ لا يَخافُ اللهَ تَعالى لا تُؤْمَنُ غائِلَتُهُ ولا يُوثَقُ بِه . وأَمّا الـمُبْتَدِعُ فَيُخافُ مِنْ صُحْبَتِهِ سَرَيانُ بِدْعَتِه .

ومِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ الإِيثارُ بِالْمالِ ، وبَذْلُ الفاضِلِ مِنْهُ عِنْدَ حاجَةِ صاحِبِهِ إِلَيْه ، ويُرْوَى أَنَّ فَتْحًا الْمَوْصِلِيَّ جاءَ إِلى صَدِيقٍ لَهُ يُقالُ لَهُ عِيسَى التَّمّار ، فَلَمْ يَجِدْهُ في الـمَنْزِل ، فَقالَ لِلْخادِمَةِ أَخْرِجِي لي كِيسَ أَخِي ، فَأَخْرَجَتْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ ، وجاءَ عِيسَى إِلى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ الجارِيَةُ بِذَلِكَ فَقالَ مِنْ فَرَحِهِ إِنْ كُنْتِ صادِقَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ
، فَنَظَرَ فَإِذا هِيَ قَدْ صَدَقَتْ فَعُتِقَتْ .

ومِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ الإِعانَةُ بِالنَّفْسِ في الحاجاتِ والْمُبادَرَةُ إِلى قَضاءِ مَصالِحِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُـحْوِجَهُ إِلى الطَّلَبِ وذَلِكَ دَرَجاتٌ أَدْناها القِيامُ بِالحاجَةِ عِنْدَ السُّؤالِ والقُدْرَةِ مَعَ البَشاشَةِ والاِسْتِبْشار ، وأَوْسَطُها القِيامُ بِالْحَوائِجِ مِنْ غَيْرِ سُؤالٍ ، وأَعْلاها تَقْدِيمُ حَوائِجِهِ عَلى حَوائِجِ نَفْسِه .
– وقَدْ كانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَتَفَقَّدُ عِيالَ أَخِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
فَيَقْضِي حَوائِجَهُم .

ومِنْها كِتْمانُ السِّرِّ ، وسَتْرُ عُيُوبِهِ في حُضُورِهِ وغَيْبَتِه ، والسُّكُوتُ عَنْ تَبْلِيغِ ما يَسُوؤُهُ مِنْ مَذَمَّةِ النّاسِ إِيّاهُ ، ومِنْها حُسْنُ الإِصْغاءِ عِنْدَ حَدِيثِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وتَرْكُ مُماراتِهِ ومُناقَشَتِهِ فِيه ، ومِنْها أَنْ يَدْعُوَهُ بِأَحْسَنِ أَسْمائِهِ إِلَيْه ، ومِنْ ذَلِكَ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِما يَعْرِفُهُ مِنْ مَحاسِنِ أَحْوالِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْراطٍ ولا كَذِبٍ ويَشْكُرَهُ عَلى صَنِيعِهِ في وَجْهِهِ ويَذُبَّ عَنْهُ في غَيْبَتِهِ إِذا تُكُلِّمَ فِيهِ كَما يَذُبُّ عَنْ نَفْسِه ، وأَنْ يَنْصَحَهُ بِلُطْفٍ وتَعْرِيضٍ إِذا احْتاجَ إِلَيْهِ ويَعْفُوَ عَنْ زَلَّتِهِ وهَفْوَتِهِ قالَ الفُضَيْلُ الفُتُوَّةُ الصَّفْحُ عَنْ زَلاّتِ الإِخْوانِ اهـ فَإِنْ كانَتْ زَلَّتُهُ في دِينِهِ فَيَتَلَطَّفُ في نُصْحِهِ مَهْما أَمْكَنَ ، ولا يَتْرُكُ زَجْرَهُ ووَعْظَهُ ، ولا يُكْثِرُ العَتْبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْفُرُ مِنَ القَبُول ، ومِنْها أَنْ يُحْسِنَ الوَفاءَ مَعَ أَهْلِهِ وأَقارِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وأَنْ لا يُكَلِّفَهُ شَيْئًا مِنْ حاجاتِهِ كَيْ لا يُثْقِلَ عَلَيْهِ وأَنْ يُرِيحَ قَلْبَهُ مِنْ مَهَمّاتِهِ ويُظْهِرَ لَهُ الفَرَحَ بِجَمِيعِ
ما يَسرُّهُ ، ويُظْهِرَ لَهُ الحُزْنَ بِما يَنالُهُ مِنَ الْمَكارِه ، وأَنْ يُسِرَّ لَهُ مِثْلَ ما يُظْهِرُهُ فَيَكُون صادِقًا في وِدِّهِ سِرًّا وعَلانِيَةً وأَنْ يَبْدَأَهُ بِالسَّلامِ عِنْدَ إِقْبالِهِ وأَنْ يُوَسِّعَ لَهُ في الْمَجْلِسِ ويَخْرُجَ لَهُ مِنْ مَكانِهِ ويُشَيِّعَهُ عِنْدَ قِيامِهِ ويُعامِلَهُ بِما يُحِبُّ أَنْ يُعامَلَ بِهِ ويَتَجَنَّبَ السُّؤالَ عَمّا يَكْرَهُ ظُهُورَهُ مِنْ أَحْوالِه ، ولا يَسْأَلَهُ إِذا لَقِيَهُ : إِلى أَيْنَ ؟ فَرُبَّما
لا يُرِيدُ إِعْلامَهُ بِذَلِك ، وأَنْ يَكْتُمَ سِرَّهُ ولَوْ بَعْدَ القَطِيعَة ، ولا يَقْدَحَ في أَحْبابِهِ وأَهْلِهِ ، ولا يُبْلِغَهُ قَدْحَ غَيْرِهِ فِيه .

● ويَنْبَغِي أَخِي الْمُسْلِمَ : أَنْ تَتْرُكَ إِساءَةَ الظَّنِّ بِأَخِيكَ ، وأَنْ تَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلى الحَسَنِ مَهْما أَمْكَنَ ، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلّ اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في ما رَواهُ البُخارِيُّ في الصَّحِيحِ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ اهـ وقَدْ قالَ ابِنُ الْمُبارَكِ الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعاذِيرَ ، والْمُنافِقُ يَطْلُبُ الزَّلاَّتِ .

ومِنْها أَنْ يَتَوَدَّدَ إِلَيْهِ بِلِسانِهِ ، ويَتَفَقَّدَهُ في أَحْوالِهِ ، ويَسْأَلَ عَمّا عَرَضَ لَهُ ، ويُظْهِرَ شُغْلَ قَلْبِهِ بِسَبَبِهِ ، ويُبْدِيَ السُّرُورَ بِما يُسَرُّ بِهِ .

ومِنْها الوَفاءُ والإِخْلاصُ ، ومَعْنَى الوَفاءِ الثَّباتُ عَلَى الحُبِّ إِلى الْمَوْتِ ، وبَعْدَ مَوْتِ الأَخِ مَعَ أَوْلادِهِ وأَصْدِقائِهِ ، وقَدْ أَكْرَمَ النَّبِيُّ صَلّ اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَجُوزًا وقالَ إِنَّها كانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ ، وَإِنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإِيمانِ اهـ .
[ رواه الحاكم في المستدرك ]

فَٱحْرِصْ أَخِي الْمُسْلِمَ عَلى مُخالَطَةِ التَّقِيِّ فَإِنَّ فِيهِ حِفْظَ دِينِكَ وهُوَ أَوْلى لَكَ مِنْ مُخالَطَةِ غَيْرِ التَّقِيِّ كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ اهـ [رَواهُ ابْنُ حِبّان] .

● مميزات الجليس الصالح :

▪︎ الجليس الصالح : يأمرك بالخير ، وينهاك عن الشر ، ويُسمِعك العلم النافع ، والقول الصادق ، والحكمة البليغة ، ويبصِّرك آلاء الله
، ويعرِّفك عيوب نفسك ، ويشغلك عما لا يعنيك .
وإن كان قادراً : سَدَّ خَلَّتك ، وقضى حاجتك ، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه ، إن ذكَّرته بالله طمع في ثوابه ، وإن خوَّفته من عذاب الله ترك الإساءة ، يُجْهِد نفسه في تعليمك وإصلاحك إذا غفلتَ عن ذكر الله ، وإذا أهملت بشَّرك وأنذرك ، يعتني بك حاضراً وغائباً .

▪︎ الجليس الصالح : لا يمل قُرْبَك ، ولا ينساك على البعد ، تُسَر بحديثه إذا حضر ، إنه يشهد بك مجالس العلم ، وحِلَق الذكر ، وبيوت العبادة ، ويزين لك الطاعة ، ويقبح لك المعصية ، ولا يزال ينفعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري .
_ قال مالك بن دينار / : « إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار خير لك
من أن تأكل الحلوى مع الفجار » .
_ وقال موسى بن عقبة / : « إن كنت لألقى الأخ من إخواني
فأكون بلُقياه عاقلاً أياماً » . أي : متأثراً به .

▪︎ الجليس الصالح : إذا صحبته زانك ، وإذا خدمته صانك ، وإذا أصابتك فاقة جاد لك بماله ، وإذا رأى منك حسنةً عدّها ، وإن رأى سيئة كتمها وسترها ، لا تخاف بوائقه ، ولا تختلف طرائقه .

▪︎ الجليس الصالح : هو خير مكاسب الدنيا ، زينةٌ في الرخاء ، وعدّةٌ في الشدة ، ومعونة على خير المعاش والمعاد ، ولا خير في صُحبة من إذا حدثك كذب وإذا ائتمنته خانك ، وإذا ائتمنك اتهمك وإذا أنعمت عليه كفرك ، وإذا أنعم عليك منّ عليك .

▪︎ أخي الحبيب : إن في مصاحبة الصالحين ثمرا مباركة منها :
1- أنت مع من أحببت : أخرج البخاري عن أنسٍ ا أن رجلا سأل النبي صل الله عليه وسلم عن الساعة ، قال : (( وماذا أعددت لها ؟ )) قال : لا شيء ، إلا أني أحب الله ورسوله ، فقال : (( أنت مع من أحببت )) ، قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي : (( أنت مع من أحببت )) ، قال أنس : فأنا أُحبّ النبي وأبا بكر وعمر ، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .

2- النجاة من فزع ذلك اليوم : { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ ♤ يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } ،
[ الزخرف :67-68 ] .

3- الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب : شتانَ بين من يقولون : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، [ الحشر : 10 ] ، وبين من يتخاصمون في الدنيا ثم في نار جهنّم { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } ، [ الأعراف : 38 ] !

4- الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم : لأن الله قال كما في الحديث القدسي : (( وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ ، والمتزاورين فِيَّ ، والمتباذلين فِيَّ )) ، وقال صل الله عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان )) ، وذكر منها :
(( وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله )) ، [ متفق عليه ] .
▪︎ وهذه المحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها علوُّ المنزلة ورفعةُ الدرجة يوم القيامة ، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم : (( ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه )) ، [ متفق عليه ].
بل إن النبي صل الله عليه وسلم بشَّرهم بعلو منازلهم وتميّزهم عن غيرهم وسبقهم لمن سواهم وحصولهم على ما لا يحصل عليه أحد، ففي مسند الإمام أحمد أنه قال مخاطبًا أصحابه رضي الله عنهم : (( يا أيها الناس ، اسمعوا واعقلوا ، واعلموا أن لله عز وجل عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله )) ، فجاء رجل من الأعراب من قاصِيَة الناس ، وأشار بيده إلى رسول الله فقال : يا نبي الله ، ناس من الناس ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله ! صِفهم لنا . فسُرّ وجهُ رسول الله
صل الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي وقال : (( هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله وتصافوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها ، فيجعل وجوههم نورًا وثيابهم نورًا ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) ، [ رواه أحمد ] .

5- بركة المجالس والخير الذي يعم : جاء في الحديث الطويل في فضل مجالس الذكر (( فتقول الملائكة : يا رب ! إن فيهم فلاناً ليس منهم ، إنما جاء لحاجة ، فيقول الله للملائكة : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم )) ، [ متفق عليه ] . لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة ، ما دام جلس مع الأخيار فلا بد أن يناله نصيب .
قومٌ يذكرون الله فيناديهم المنادي من السماء : ( قوموا مغفوراً لكم ) ، فما أعظم النعمة بالجلوس معهم إذا كانوا سيقومون وقد
غُفِر لهم ؟!

6- جلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة ؛ فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير ، وهكذا تزيد الاستفادة .

7- التأثر بهم : ومن ثمار صحبة الأبرار التأثر بهم والاقتداء
بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم ، كما قال النبي
صل الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله )) .

8- يحفظون الوقت والعمر من الإهدار :
عن أبى قلابة / قال : (( التقى رجلان في السوق فقال أحدهما للآخر : تعال نستغفر الله في غفلة الناس ! ففعلا ? فمات أحدهما
، فلقيه الآخر في النوم ، فقال : علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق )) .

9- الشفاعة : لو لم يكن من صحبة المؤمن إلا شفاعته يوم القيامة لكفى ، قال الحسن البصري / : « استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة » .

أحب الصالحين ولست منهم — وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي — وإن كنا سوياً في البضاعة

وفي ذلك ما حدّث به النبي صل الله عليه وسلم عن المؤمنين بعد اجتيازهم للصراط : فقال (( حتى إذا خلص المؤمنون من النار ، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشدَ مُناشَدَةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ويُصلون ويحُجون ! فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم ، فتُحَرَّم صورهم على النار ، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه )) ، [ رواه مسلم في الإيمان (302) ] .

اللهم إنا نسألك صحبة الأخيار ، وعيشة السعداء ، وميتة الشهداء ، وحياة الأتقياء ، ومرافقة الأنبياء ، إنك على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .