شَهْرُ اللهِ المُحَرَّم أَحْدَاثٌ وأَحْكَامٌ
21/07/2023
الحَمْدُ للهِ العَفُوُّ الغَفُورُ مُقَدِّرِ المَقْدُورِ وَمُصَرِّفِ الأَيَّامِ وَالشُهُورِ وَمُجْرِي الأَعْوَامِ وَالدُّهُورِ وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَنْفَعُ صَاحِبَهَا يَوْمَ يُبعْثَرُ مَا فِي القُبُورِ وَيُحَصّلُ مَا فِي الصُّدُورِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ المُجْتَبَى وَالحَبِيبُ المُصْطَفَى وَالعَبْدُ الشَّكُورُ اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ مَا اِمْتَدَّتِ البُحُورُ وَتَعَاقَبَ العَشِيُّ وَالبُكُورُ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ النُّشُورِ
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
أَحِبَتِي فِي الله: يَدْخُلُ عَلَيْنَا شَهْرُ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ وَيَحُلُّ عَلَيْنَا عَامٌ هِجْرِيٌّ جَدِيدٌ وَلَنَا فِي ذَلِكَ وَقَفَاتٌ:
اَلْوَقْفَةُ اَلْأُولَى: اَلشَّهْرُ اَلْمُحَرَّمُ مِنْ اَلْأَشْهُرِ اَلْحُرُمِ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ وَقَالَ ﷺ: “إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ”
اَلْوَقْفةُ اَلثَّانِيَةُ: أُرْجَى عَمَلٍ صَالِحٍ يُمْكِنُ أَنْ نَجْتَهِدَ فِيهِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ هُوَ اَلصِّيَامُ فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ ﷺ: “أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ”
وَفِيهِ صِيَامُ يَومِ عَاشوراء يَومٌ صالِحٌ وَقَعَ فيه خَيرٌ وصَلاحٌ اِنتَصَرَ الحَقُ على البَاطِلِ “قَدِمَ النَّبيُّ ﷺ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ فَصَامَهُ وأَمَرَ بصِيَامِهِ” وقال اَلنَّبِيُّ: ” وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ”
أَحِبَتِي فِي الله: اَلْوَقْفَةُ اَلثَّالِثَةُ: أَنَّ اَلتَّارِيخَ الهِجري سُمِّيَ هِجْرِيًّا لِتَرْجِيحِ عُمَرْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فِي اِجْتِمَاعٍ تَشَاوُرِيٍّ مَعَ اَلصَّحَابَةِ عَلَى اِبْتِدَاءِ اَلتَّارِيخِ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي هَاجَرَ فِيهَا اَلنَّبِيُّ ﷺ إِلَى اَلْمَدِينَةِ كَونَهُ حَدَثٌ هَامٌ وقِيلَ استَدَلُوا على ذلكَ بالآيةِ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ ثُمَّ رَجَّحُوا بِدَايَةَ العَامِ بِمُحَرَّمِ رَغْمَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ هَاجَرَ فِي رَبِيعِ اَلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ شَهْرٌ حَرَامٌ وَيَلِي ذِي اَلْحِجَّةِ اَلَّذِي فِيهِ تَمَامُ مَنَاسِكِ اَلْحَجِّ
اَلْوَقْفَةُ الرَّابِعَةِ ضَرُورَةُ اَلِاعْتِبَارِ بِمُرُورِ الأَيَامِ والأَعوَامِ فَكُلُّ عَامٍ جَدِيدٍ يُنْقِصُ مِنْ أَجْلِنَا ويُبْعِدُنَا مِنْ اَلدُّنْيَا وَيُقَرِّبُنَا مِنَ اَلْقَبْر قَالَ اَلْحَسَنُ اَلْبَصْرِيُّ: يَا بْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ مَجْمُوعَةٌ كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ” فَالْعَاقِلُ مَنْ أَعَدَّ اَلْعُدَّةَ
قَالَ ﷺ: “الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفسَهُ وعَمِلَ لِمَا بَعدَ المَوتِ والعَاجِزُ من أَتْبَعَ نَفسَهُ هَوَاهَا وتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِي” وَقَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: مَا نَدِمَتُ عَلَى شَيْءِ نَدَامَتِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ عَلِيَّ شَمْسُهُ
نَقْصَ فِيهِ أَجْلِي وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ عَمَلِي
أَحِبَتِي فِي الله: اَلْوَقْفَةُ اَلْأُخِيرةُ: أَنَّ مِنَ الأَحدَاثِ المُؤلِمَةِ المُحزِنَةِ المُفجِعَةِ للقُلُوبِ التي وَقَعَتْ فِي اَلشَّهْرِ اَلْمُحَرَّمُ استِشهَادُ الإِمَامُ الحُسَينِ بنِ عَلِي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما وَذَلِكَ فِي يَومِ الجُمُعَةِ العَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمِ سِنَةَ إِحدَى وَسِتِينَ مِنَ الهِجرَةِ عَلَى أَيدِي الظَّالِمِينَ الطُّغَاةِ البُغَاةِ الحَاقِدِينَ عَلَى آَلِ البَيتِ أَسْلَمُوهُ بعدما استقدموهُ فَاستفزُّوهُ حتى أَخْرَجُوهُ ثُمَّ انْفَضُّوا عنهُ والَّذي احتَزَّ رأسَه الشَّمِرُ بنُ ذي الجَوْشَنِ فِي كَربَلاءِ وهو مَصداقُ قُولُهُ ﷺ: “لقد دَخَلَ علَيَّ البيتَ ملَكٌ لم يَدخُلْ علَيَّ قبْلَها فقال لي: إنَّ ابنَكَ هذا حُسيْنٌ مقتولٌ وإن شِئتَ أَريتُكَ مِن تُربةِ الأرضِ التي يُقتَلُ بها قال: فأَخرَجَ تُربةً حَمراءَ” وَإِنَّ قَتْلَ الْحُسَيْنِ وَقَتْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما قَبْلَهُ كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ
وَأَبُو عَبدِ اللهِ الحُسَينِ هو سِبطُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ قالَ فيهِ النبيُّ ﷺ: ” حُسَيْنٌ منِّي وأَنا مِن حُسَيْنٍ أحبَّ اللَّهُ من أحبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبطٌ منَ الأسباطِ” وقَالَ ﷺ عَنْ الحَسَنِ والحُسَينِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما: “هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا”
وقال ﷺ: “هما رَيْحانتايَ مِن الدُّنيا”
يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ
يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ
وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ
أَحِبَتِي فِي الله: عَلَيْنَا أَنْ نُصَحِّحَ أَوْضَاعَنَا فِي عَلَاقَتِنَا بِرَبِّنَا وفِي عَلَاقَتِنَا فِيمَا بَيْنَنَا ومَعَ جِيرَانِنَا وأَقَارِبِنَا ومَعَ شُرَكَائِنَا فِي اَلْعَمَلِ ومَعَ مَنْ تَحْتَ مَسْؤُولِيَّتِنَا لنجْعَلْ هَذِهِ اَلسَّنَةَ سَنَةً صَافِيَةً لَنَا عَلَاقَاتٌ حَسَنَةٌ لِنَكُونَ مَحْبُوبِين عِنْدَ الله وعِنْدَ اَلْخُلُقِ
فاللَّهُمَّ اِجْعَلْ يَوْمَنَا خَيْرًا مِنْ أَمْسِنَا وَاجْعَلْ غَدَنَا خَيْرًا مِنْ يَوْمِنَا وَأَحْسِنَ عَاقِبَتَنَا فِي اَلْأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجْرنَا مِنْ خِزْيِ اَلدُّنْيَا وَعَذَابِ اَلْآخِرَةِ
اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ